لاسباب مفهومة يعفي النظام الضريبي الاردني ارباح صادرات السلع من ضريبة الدخل. فالاردن يعاني من عجز تجاري كبير ومزمن ولذلك يؤطر حوافز للت...
لاسباب مفهومة يعفي النظام الضريبي الاردني ارباح صادرات السلع من ضريبة الدخل. فالاردن يعاني من عجز تجاري كبير ومزمن ولذلك يؤطر حوافز للتصدير كونه يساهم في جلب العملة الصعبة وخلق فرص العمل وجلب الاستثمارات الجديدة. وكان مجلس الوزراء قد اعفى قطاع الخدمات المصدرة ايضا من ضريبة الدخل حتى العام 2015 بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 471 بتاريخ 15/1/.2008
كل ما تقدم جميل ولكنها فرحة لم تتم! فقد فوجىء كثير من العاملين في قطاع الخدمات بتفصيل للقرار من قبل مجلس الوزراء اعلاه بتاريخ 26/8/2009 بموجب توصية لجنة الخدمات المصدرة يحدد فيه الخدمات المصدرة المعفاة حصرا بالاتي: خدمات الحاسوب و خدمات دراسة الجدوى الاقتصادية وخدمات الاستشارات القانونية والهندسية والمحاسبة والتدقيق والادارة العامة والادارة المالية والموارد البشرية وادارة الانتاج.
يثير هذا القرار الجديد تساؤلات عديدة مشروعة منها التالي:
- لماذا التمييز بين قطاعات الخدمات المصدرة? فلماذا مثلا يعفى تصدير خدمات الاستشارات الهندسية والقانونية فيما يخضع لضريبة الدخل خدمات تصدير ترجمة مسلسلات التلفزيون او الاستشارات الطبية او خدمات مراكز الاتصال على سبيل المثال? اليست كلها ذات قيمة مضافة عالية وجالبة للعملة الصعبة ومولدة لفرص العمل?
- لماذا ايضا الاصرار على حصر الاعفاء في قطاعات الخدمات الكلاسيكية مع اقفال الباب امام صادرات خدمية جديدة ذات فرص عالمية كبيرة نعرف بعضا منها الان وسنعرف عن الجديد منها في المستقبل? ففي العام 1994 - عندما بدأ اعفاء صادرات الخدمات في الاردن- لم تكن قطاعات كاملة موجودة: ومنها على سبيل المثال خدمات محتوى الانترنت والمواقع الالكترونية التي تبيع الاعلانات او الاشتراكات و خدمات محتوى الهواتف الخلوية وخدمات الدفع والتجارة الالكترونية و خدمات مراكز الاتصال والاسناد الخارجي وخدمات الاستشارات الطبية عن بعد و خدمات تحريك الرسوم المتحركة وغيرها الكثير.
- كذلك ما ذنب من اسس شركة خدمية في الاردن (في محتوى الخلوي مثلا او في الاستشارات الطبية عن بعد) معتمدا على قرار الاعفاء في بداية 2008 ان يفاجأ بقرار آخر يلغي اعفاء صادرات شركته من الضريبة فجأة وفي اول سنة مالية لشركته?
- كذلك فان تفصيل الخدمات سيخلق مشاكل عديدة في تأويل القرار وسيؤدي الى الوضع الحالي في الاختلاف بين الشركات وبين مقدري ضريبة الدخل. فمن يقرر ما ينضوي تحت "استشارات الادارة العامة" او "خدمات الحاسوب" مثلا? فهل تشمل خدمات الحاسوب بيع نظام كمبيوتر طور في الاردن ولكن على اجهزة مستوردة? او بيع تطبيق للحاسوب من دون تقديم الدعم الفني له? او تقديم نظام للدفع الالكتروني والتجارة عبر الانترنت للشركات في الاردن وخارجه?
ان التقدم الهائل في تكنولوجيا الاتصالات قد "ضغط" الزمان والمكان وهو ما يسمح بتطوير نماذج جديدة وخلاقة لتقديم الخدمات المختلفة عبر الحدود والقارات. وبوجود عدد كبير من الاردنيين المهنيين العاملين في الخارج فان تشجيع انشاء شركات مصدرة للخدمات التقليدية وغير التقليدية في الاردن سيساهم في عودة الكثير من الكفاءات الاردنية وخلق فرص عمل جديدة. وهكذا تكون الاستفادة منهم ليس في تحويلاتهم كمغتربين فحسب بل في عوائد التصدير وفرص العمل الجديدة وفيما يصرفونه في الاقتصاد الوطني.
لننظر الى هيكلية الاعفاءات بين 2003 و 2008 ونقارنها مع القرار الجديد. فبين عام 2003 و2008 كانت حزم القرارات بخصوص اعفاءات التصدير تعفي كل التصدير (السلعي والخدمي) اعفاء كليا باستثناء خدمات الحاسوب و خدمات دراسة الجدوى الاقتصادية وخدمات الاستشارات القانونية والهندسية والمحاسبة والتدقيق التي كانت تعفى جزئيا. اما الان وبحسب القرار الجديد فان كل صادرات الخدمات غير معفاة باستثناء تلك الخدمات التي لم تكن معفاة من قبل وهي نفسها خدمات الحاسوب و خدمات دراسة الجدوى الاقتصادية وخدمات الاستشارات القانونية والهندسية والمحاسبة والتدقيق والتي اصبحت الان معفاة كليا! هل نحن مغرمون بالتقلب المفاجئ بين اعفاء واخضاع ? ام ترانا نحب عشوائية القرارات وقابليتها للتأويل المختلف لنلعب باعصاب الشركات والمستثمرين والمدراء الماليين?
لا داعي حقيقيا لتمييع اعفاء الصادرات بحصره وتفصيله ضمن قطاعات قابلة لاختلاف التأويل. فلنبق على القرار بسيطا وسهلا وغير قابل للتأويل بأن نعفي كل من يصدر من الضريبة سواء صدر سلعة او خدمة وسواء كانت الخدمة معروفة في السبعينيات او لم نعرفها حتى الان. الا اذا كان هدفنا تطفيش هذه الشركات لانشاء شركات اخرى في دبي وغيرها للقيام بالتجنب الضريبي. فاعفاء الصادرات من ضريبة الدخل يقلل من حافز شركات الخدمات والاستشارات ذات نسب التصدير العالي للقيام بهيكلية لتجنب الضرائب ويزيد من تحصيل الضرائب منهم في الاردن. فالشركة التي تشكل الصادرات 80% من دخلها سيصبح عبئها من ضريبة الدخل بحدود 5% وهي نسبة مشجعة لتأسيس الشركة كاملا في الاردن من دون الحاجة الى تأسيس شركات اخرى في المناطق الحرة وتكبد مصاريف اضافية في سبيل التجنب الضريبي وهو ما يحصل حاليا. فالخيار الحقيقي سيكون بين تحصيل ضريبة مناسبة او عدم تحصيل اي ضريبة اطلاقا!.
ليست هناك تعليقات