تتفق جميع المدارس الاقتصادية ان الضرائب وكيفية تحصيلها تنتج تكلفة اقتصادية من ناحية تأثيرها على خيارات الناس في الاستثمار والعمل وال...
تتفق جميع المدارس الاقتصادية ان الضرائب وكيفية تحصيلها تنتج تكلفة اقتصادية من ناحية تأثيرها على خيارات الناس في
الاستثمار والعمل والاستهلاك وكذلك من ناحية ان تحصيل الضرائب نفسها له تكلفة اقتصادية (مثل تكلفة رواتب واجور موظفي دوائر الدخل). وفي بلد كالاردن يعاني من عجز كبير ومزمن في الميزان التجاري ومن نسب بطالة عالية يكون من المفيد ان تشجع السياسة الضريبية الانشطة الاقتصادية التصديرية لكونها تساهم في تحفيز الاستثمارات في القطاعات التصديرية والتي نعول عليها لتخفيف عجز الميزان التجاري وكذلك توليد فرص عمل جديدة وجيدة.
في هذا الاطار فان نظام اعفاء ارباح صادرات السلع والخدمات رقم 70 للعام 2010 الصادر بموجب قانون ضريبة الدخل المؤقت رقم 28 لسنة 2009 يساهم في تشجيع الاستثمار في القطاعات التصديرية في الاردن سواء من قبل القطاع الخاص المحلي او عن طريق جلب الاستثمارات الخارجية. لكن عند مراجعة النظام نلاحظ بعضا من النقاط التي تتنقص من فائدته بحسب تحليلي, فالنظام يعفي صادرات السلع بالمطلق ويحدد الاستثناءات بموجب المادة السابعة. وهذا امر جيد. فالاستثناءات محددة وواضحة وباقي تصدير السلع معفى اطلاقا. لا غموض ولا تأويل.
المفارقة ان النظام يتعامل بشكل مغاير تماما مع الخدمات المصدرة فهو من ناحية يعفي السلع المصدرة بالمطلق مع تحديد الاستثناءات (وهي تصدير الفوسفات والبوتاس والاسمنت والاسمدة) بينما يحدد الخدمات المعفاة تخصيصا مع اطلاق عدم الاعفاء على كل صادرات الخدمات الاخرى من دون تحديد او تفصيل. تحليلا فان الاستثناءات في تصدير السلع منطقية: فالفوسفات والبوتاس والاسمنت والاسمدة (وهي السلع التي لا ينطبق عليها اعفاء الصادرات) هي ثروات وطنية غير متجددة يجب ان تحصل الخزينة ضرائب عن ارباح تصديرها, اما الخدمات التي لا تستهلك ثروات وطنية بل تكون نتاج ابتكار عقول ابناء الاردن فهي لا تنضب ولذلك فان اعفاء بعضها وحرمان باقي الخدمات المصدرة من الاعفاء يجافي المنطق.
نستطيع استشراف مشاكل عديدة بتحديد الخدمات المصدرة المعفاة واطلاق عدم الاعفاء على كل الخدمات الاخرى نذكر منها الاتي:
- التمييز بين قطاعات الخدمات المصدرة بشكل غير منطقي, فلماذا مثلا يعفى تصدير خدمات الاستشارات الهندسية والقانونية فيما يخضع لضريبة الدخل خدمات تصدير ترجمة مسلسلات التلفزيون او الاستشارات الطبية عن بعد او خدمات تحريك الرسوم المتحركة او خدمات تصميم الازياء اوخدمات العلاقات العامة او خدمات التصوير التلفزيوني او التصوير الفوتغرافي او خدمات محتوى الهاتف الخليوي على سبيل المثال? اليست كلها ذات قيمة مضافة عالية وجالبة للعملة الصعبة ومولدة لفرص العمل?
- ضبابية تحديد طبيعة الخدمات المعفاة يجعلها قابلة للتأويل ويفتح الباب امام احتمالات اساءة استعمال النظام وتشجيع الرشوة والفساد.فتفصيل الخدمات سيخلق مشاكل عديدة في تأويل القرار وسيؤدي الى الوضع الحالي في الاختلاف بين الشركات وبين مقدري ضريبة الدخل على كون خدماتها معفاة او لا. فمن يقرر مثلا ما ينضوي تحت "خدمات الحاسوب" او "خدمات تكنولوجيا المعلومات" او "خدمات مقدمة على شبكة الانترنت لعملاء خارج المملكة" مثلا وهي كلها مذكورة نصا في النظام?
تشريعيا القاعدة القانونية تقول بان يجري المطلق على اطلاقه ما لم يقيده نص. وعليه فان نظام اعفاء ارباح صادرات السلع والخدمات تماشى مع القاعدة القانونية في حالة تصدير السلع وخالفها في حالة تصدير الخدمات.
نعود ونأكد كما في تحاليل سابقة ان التقدم الهائل في تكنولوجيا الاتصالات قد "ضغط" الزمان والمكان وهو ما يسمح بتطوير نماذج جديدة وخلاقة لتقديم الخدمات المختلفة عبر الحدود والقارات. فتشجيع انشاء شركات مصدرة للخدمات التقليدية وغير التقليدية في الاردن سيساهم في خلق فرص عمل جديدة وزيادة حصيلتنا من التصدير المدر للعملة الصعبة.
لا يوجد داع حقيقي لتمييع اعفاء الصادرات بحصره وتفصيله ضمن قطاعات قابلة لاختلاف التأويل وهو ما يفتح باب الفساد والرشاوي, فلنبق على القرار بسيطا وسهلا وغير قابل للتأويل بأن نعفي كل من يصدر من الضريبة سواء صدر سلعة او خدمة وسواء كانت الخدمة معروفة في الستينيات السبعينيات او خدمة لم نعرفها حتى الان تكون نتاج التطور التكنولوجي وابداع المفكرين في السنوات المقبلة
ليست هناك تعليقات