اقتصاديا هناك ثلاث سبل لاي حكومة للتعامل مع الدين العام وتخفيضه كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي. اولا النمو الاقتصادي بنسبة اكبر من ...
اقتصاديا هناك ثلاث سبل لاي حكومة للتعامل مع الدين العام وتخفيضه كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي. اولا النمو الاقتصادي بنسبة اكبر من نمو الدين العام والذي يخلق عوائد حكومية اكبر ويكون مرتبطا عادة ببعض التضخم الذي يفيد اي حكومة ترغب في تخفيض الديون. ثانيا التقشف في النفقات الحكومية لتخفيض الاستدانة وتحقيق وفر لتسديد الديون. و ثالثا عدم الدفع وتحميل الخسائر للدائنين مع تحمل التبعات القاسية هذا الاعسار ومنها الضغوطات الدولية وتدخل صندوق النقد او هز القطاع البنكي المحلي في حالة الديون المحلية.
في اليونان مثلا -وهي التي تعاني من ديون طائلة- بدأت الحكومة اجراءات تقشفية شديدة منها تخفيض التقاعدات ورواتب القطاع العام وتشديد تحصيل الضرائب وهناك حديث عن تحميل الدائنين (مثل البنوك اليونانية) بعضا من الخسائر عن طريق تخفيض اصل الديون او اعادة جدولتها بلا فوائد جديدة. وكما اليونان ايرلندا والبرتغال.
حالنا بالاردن ليس افضل من احوال اليونان وايرلندا وغيرها. فالمديونية عالية والعجز المزمن في الميزانية (هذا العجز قديم قدم الدولة الحديثة بالمناسبة) يعني ان الحكومة الاردنية لا تستطيع تسديد اقساط وفوائد الديون الحالية الا عبر ديون جديدة ومساعدات خارجية.
في هذا السياق يأتي الحديث عن اعادة هيكلة رواتب المؤسسات والهيئات المستقلة والتي لا تتبع ديوان الخدمة المدنية. وهو امر جيد لو كان ضمن خطة تقشفية حكومية شاملة وليس على نظام الفزعات الموسمية. فالمعضلة اذن ان لا شمولية في اعادة الهيكلة. وهنا بعض الملاحظات:
- طالما ان اعادة الهيكلة المقترحة قد نحرت بقرة مقدسة اسمها "حقوق الموظفين المكتسبة" بحيث سوف تنخفض رواتب موظفين على راس عملهم الا ينبغي ان تتخذ الحكومة قرارا شجاعا اخر بالغاء تقاعد الوزراء المبكر لكل وزير لم يكمل الستين من عمره. فالغاء تقاعد الوزراء المبكر يفيد ليس من ناحية توفير ملايين عديدة سنويا فقط بل ايضا عبر تأكيده للشعب ان التقشف يطال الجميع وليس فقط من لا ظهر ولا سند له في مجلس الوزراء. ويا حبذا لو شاركت الحكومة الشعب الاردني بتفاصيل مصاريف الوزراء المتقاعدين سنويا من رواتب وتامين صحي وغيره بدلا من تخبئتها ضمن بند التقاعد العام في الميزانية. وتبقى المفارقة ان حكومة دولة سمير الرفاعي السابقة الغت التقاعد المبكر في الضمان الاجتماعي بقانون مؤقت لم يمر على السلطة التشريعية ومن ثم خرجت من الدوار الرابع مع تقاعدات مبكرة لوزراء دون الخمسين ولم يخدموا اكثر من عدة شهور. والمفارقة الاخرى ان القانون المعدل المؤقت للضمان الاجتماعي خرج باسلوب لم يحرم ايا من وزراء تلك الحكومة من امكانية التقاعد المبكر من الضمان الاجتماعي نفسه!
- مشكلة الهيئات المستقلة ليست في رواتب موظفيها الاعلى من رواتب ديوان الخدمة المدنية، فرواتب الحكومة متدنية اجمالا ورواتب الهيئات تبقى ضمن معدل الرواتب في القطاع الخاص. المشكلة الاساس في مصاريف الادارات العليا في بعض تلك الهيئات والمؤسسات المستقلة خارج بنود الرواتب (مثل السيارات والمكاتب والسفر والمياومات). فمثلا تغيير حمام مدير احدى المؤسسات كلف عشرات الاف الدنانير وهناك بك اب مخصص لمزرعته على حساب المؤسسة. اعادة هيكلة الرواتب لا تضمن حاكمية افضل في تلك المؤسسات وهو المطلوب في الواقع.
- التقشف واعادة الهيكلة يجب ان يشمل حميع نواحى ميزانية الحكومة ولا ضير هنا ان نتوجه اخيرا الى شفافية في كافة نفقات الدولة بدلا من وجود نواح بلا شفافية تحت بند "مصاريف اخرى" . فنحن في القرن الواحد والعشرين وان اوان شفافية تفش الغل في ميزانياتنا بدون خطوط حمراء او صفراء. والتقشف من قمة الهرم لاسفله يعيد بعضا من الثقة الشعبية بالحكومات.
اما ان يكون جل العمل منصبا على رواتب 5 الاف موظف في المؤسسات المستقلة من دون ان تكون الهيكلة والتقشف ضمن خطة جريئة تشمل كامل تشوهات الميزانية الحكومية فهو غير منطقي ونكون كمن ينفخ في قربة مثقوبة او كمن يتداوى من السرطان بحبة اسبرين!
لحل اي مشكلة يجب تحديد اسبابها الاساس. وتحديد الاسباب يتطلب توفر كافة المعلومات. لنبدأ ببيان كلفة رواتب التقاعد للوزراء الشباب ولنقطعها ونستخدم الوفر لتحسين الرواتب الدنيا في القطاع العام. ومن ثم نتدرج في التقشف منطقيا وبشكل عادل.
ليست هناك تعليقات