ما زلنا نسمع مرارا وتكرارا عن كلفة استضافة اللاجئين السوريين في الاردن وعن تقصير المجتمع الدولي والمانحين. والكلفة بحسب التصريح ...
ما زلنا نسمع مرارا وتكرارا عن كلفة استضافة اللاجئين السوريين في الاردن وعن تقصير المجتمع الدولي والمانحين. والكلفة بحسب التصريح الرسمي للحكومة اكثر من ملياري دولار في 2013 لوحدها. يفهم البعض هذا الرقم وكان 20% من ميزانية الحكومة ذهبت للاجئين السوريين هذه السنة. فهل حصل هذا؟ هل صرفت الحكومة الاردنية 20% من ميزانيتها (بليونين من الدولارات) على اللاجئين السوريين؟ بالطبع لا. فهذا الارقام (ارقام الكلفة) تشمل تقديرات الكلفة الكلية على الاقتصاد والبيئة ويشوبها للاسف بعض الشوائب في المنهجية.
فمثلا
دراسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي حسبت من ضمن كلفة استضافة اللاجئين السوريين على
الاقتصاد "زيادة حجم المستوردات الكلية" المصاحب لزيادة عدد
السكان واعتبرت هذا كلفة. طبعا هذا ليس صحيحا من دون النظر الى مصدر تمويل هذه
الزيادة في الاستيراد. فلو كانت الحكومة هي التي تمول هذه المستوردات بالدين
لاتفقنا انها كلفة. اما اذا كان تمويل هذه المستوردات من المانحين ومن مدخرات
اللاجئين او من تحويلات اقربائهم او من عملهم فتكون زيادة المستوردات ليست كلفة
ابدا بل مصدر عوائد للحكومة (على شكل ارتفاع في حصيلة الجمارك وضريبة المبيعات)
وزيادة في ارباح التجار المستوردين في الاردن الذين صاروا يبيعون اكثر. وطالما ان
الحكومة لا تصرف على اللاجئين رواتبا مباشرة فتمويل هذا الاستيراد الزائد حتما ليس
كلفة على خزينة الدولة ولا كلفة على الاقتصاد. بل فعليا هو محفز للقطاع التجاري
الاردني.
نفس
الدراسة حسبت من ضمن الكلفة زيادة الضغط على المرافق الصحية والتعليمية في المدن
المستضيفة وهذا صحيح. ثم عادت الدراسة وحسبت كلفة انشاء مستشفيات جديدة لمواكبة
الزيادة بالطلب ضمن الكلفة. وهنا خطأ المنهجية: فكلفة انشاء مستشفيات جديدة يجب ان
تحسب عند انشائها فقط وبعدها يصبح من ضمن الكلفة التي تحملتها خزينة الدولة. اما
في حال عدم بناء هذه المستشفيات فكلفة استضافة الاشقاء السوريين ستقتصر على زيادة
استهلاك المواد الطبية والادوية وكلفة معنوية يتحملها الاردنيون بزحام اكثر على
المستشفيات الحالية وانخفاض في مستوى الخدمة. ونفس المنطق وجدناه في حساب الكلفة
على قطاع المدارس!
زيادة
السكان تعني طبعا زيادة في استهلاك الكهرباء لدى القطاعات السكانية وهناك كلفة
حقيقية في الدعم الحكومي للكهرباء المنزلية. وهنا يجب ان يستند التقدير على
الزيادة الحقيقية في استهلاك الكهرباء بسبب وجود الاشقاء السوريين لا على اساس رقم
اعتباطي كما فعلت بعض الدراسات.
وفي
منهجية خاطئة تماما يحسب البعض زيادة اسعار ايجار العقارات في المدن المستضيفة
للاجئين السوريين ككلفة على الاقتصاد! مع ان هذه الايجارات (الممولة اساسا من
مانحين اجانب او من مدخرات ودخول اللاجئين) هي مصدر دخل لمالكي العقار الاردنيين
ومصدر للعملة الصعبة في البلد. وايضا عند تحليل الارقام الرسمية هناك مؤشر واضح ان
زيادة الايجارات في المدن المضيفة قد ادت الى زيادة حركة بناء المساكن والعقارات
في نفس المدن المضيفة (اي ان العرض في ازدياد ليواكب الزيادة في الطلب). ولنتوقف
هنا عند هذه الارقام الرسمية:
بحسب
دائرة الاحصاءات العامة، في 2012 (العام التالي لبدء اللجوء السوري الى الاردن)
زادت مساحات العقار الحاصلة على رخص انشاء في اقليم الشمال بنسبة 26% (عن 2011) لتصل
الى مليونين وستمائة الف متر مربع. فيما كانت الزيادة في اقليم الوسط لنفس الفترة
4.6%. وفي الاشهر التسعة الاولى من 2013 زادت مساحات العقار الحاصلة على رخص انشاء
في اقليم الشمال بنسبة 15% عن ذات الفترة في 2012. فيما ارتفعت باقليم الوسط بنسبة
1.6% فقط.
تشير
نفس الارقام ايضا الى ان مساحات العقار الحاصلة على رخص انشاء في اقليم الشمال في
الاشهر التسعة الاولى من 2013 نزيد عن كل المساحات في كامل سنة 2011 بنسبة 6%. اما
في اقليم الوسط فمساحات العقار الحاصلة على رخص انشاء في الاشهر التسعة الاولى من
2013 تقل عن كل المساحات في كامل سنة 2011 بنسبة 19%.
واضحة
اذن الطفرة العمرانية في اقليم الشمال في 2012 و 2013 . وهذه قد يكون من اسبابها الزيادة
في الطلب على السكن وزيادة الايجارات وهو الذي شجع مالكي العقار على الاستثمار في
عقارات جديدة او توسعات على عقاراتهم. وكل هذا يعود بالنفع على الاقتصاد ويوفر فرص
العمل. لوحدها الزيادة في المساحات الحاصلة على رخص انشاء في 2012 و2013 عن مستوى
2011 بلغت مليون و 450 الف متر مربع. على فرض كلفة انشاء بقيمة تبلغ 150 دينار
للمتر (رقم محافظ) فان الزيادة في الاستثمار في البناء في اقليم الشمال في 2012 و
2013 تجاوزت 217 مليون دينار اردني.
هناك
ايضا الارقام الرسمية التي تقول ان استثمارات السوريين المستفيدة من قانون مؤسسة
تشجيع الاستثمار قد تجاوزت 150 مليون دينار ما بين 2012و 2013 . وهو استثمار لم
يكن ليحصل لولا قدومهم الى الاردن.
نحتاج
حقا لدراسة الاثر الاقتصادي والاجتماعي للاجئين السوريين بالاردن باسلوب موضوعي ذا
منهجية علمية واضحة. لا نريد ابدا تهويلا وتضخيما. وهذه الدراسة يجب ان تفصل الكلف
والعوائد والايجابيات والسلبيات وتفصل من يتحمل _حقيقة_ هذه الكلف والسلبيات:
فمثلا ارتفاع الايجارات بؤثر سلبا على المستأجرين الاردنيين ولكنه يؤثر ايجابا على
دخل الحكومة. وازدحام المستشفيات والمدارس يتحمله اساسا المواطن الاردن لا خزينة
الدولة. وزيادة عدد السكان والسيارات يعني تحصيلا ضريبيا اكثر من ضرائب المبيعات
والمحروقات. هكذا دراسة موضوعية تكون الخطوة الاولى لتعظيم الايجاببات والتفكير
بحلول للتخفيف من السلبيات.
ولنتذكر: 600 الف لاجىء سوري يعني عمليا 8% من عدد السكان
.. اتوا على مدى سنتين
تاريخيا
_بحسب وكالة الانروا _ عبر الى شرق الاردن 100 الف لاجئ فلسطيني في 1948. تقديرا شكلوا
نسبة 18% من عدد السكان انذاك.
وفي
1967 عبر الى الضفة الشرقية من الضفة الغربي 380 الف لاجئ ونازح. تقديرا شكلوا نسبة
30% من عدد السكان انذاك.
في
1990 عاد من الكويت نصف مليون اردني. تقديرا شكلوا نسبة 10% من عدد السكان انذاك.
بعد
65 سنة من لجوء النكبة و 46 سنة من نزوح النكسة و23 سنة من العودة من الكويت هل كانت
محصلة نتائج تلك الهجرات السكانية الضخمة سلبية او ايجابية للاردن (اقتصاديا اجتماعيا
ماليا)؟
لكل الهجرات سلبيات وايجابيات. وقلما تكون هذه الهجرات ذات تاثير كارثي على المجتمعات المضيفة.
بالنسبة
لي.. اللاجئون السوريون -اعانهم الله على همهم- يبقون ضيوفا اهلا وسهلا بهم..
ولندرس باسلوب موضوعي علمي كافة جوانب لجوئهم.. لتعظيم الايجابيات ولتقليل
السلبيات.
ليست هناك تعليقات