نشر في الغد يوم 18 شباط 2018 ينتقد الكثيرون "نهج" الحكومات المتعاقبة في الأردن مع ان أي مراقب محايد للاقتصاد ا...
ينتقد الكثيرون "نهج" الحكومات المتعاقبة في
الأردن مع ان أي مراقب محايد للاقتصاد الأردني سيلاحظ حتما ان لا نهجا واضحا للاقتصاد. فبعض
القطاعات عندنا فيها تنافسية عالية فيما تمسك قطاعات أخرى احتكارات بحماية قرارات
حكومية او تشريعات برلمانية.
ان وجود أي احتكار في مفاصل الاقتصاد له ضرر كبير من ناحية تثبيط فعالية الاقتصاد وقوة الابتكار فيه وزيادة الكلفة على المستهلكين والمنتجين. ولذلك تعكف كل الدول الصناعية الكبرى ذات الاقتصادات القوية الناجحة على منع أي احتكارات وتركيز في كل قطاعاتها الاقتصادية بقوة وحزم تشمل مثلا رفض طلبات اندماج بين شركات كبيرة او الملاحقة القانونية لمن يثبت انه قام عمدا بأعمال تضر المنافسة في السوق.
يمكن التعميم على الاقتصادات الكبيرة الناجحة بان ما يميزها هو وجود قطاع خاص كبير يساهم في قطاعات اقتصادية تنافسية بدون احتكارات مع نظام ضريبي عادل وشفاف. وتتميز الأسواق التنافسية بميزات سهولة الدخول والخروج للمنافسين مع وجود عدد كبير من اللاعبين وتركز قليل وتسعير شفاف مع قدرة حكومية على كسر ومعاقبة الاحتكار.
في الأردن نعاني من احتكارات او تشريعات وممارسات احتكارية في كثير من قطاعتنا الاقتصادية والتي تتسبب حتما في رفع الكلفة وكبح الابتكار وتثبيط النمو. ندرج بعضها هنا مع بعض التفصيل:
احتكار المشتقات النفطية:
لا يزال هذا القطاع خارج المنافسة مع ان سياسة الحكومة
المعلنة كانت ادخال المنافسة الكاملة في السوق منذ اكثر من 15 سنوات! وكان اخر
تمديد للوضع الاحتكاري قد حصل في 20013 لمدة ست سنوات قادمة. وعليه فان العام 2018
يجب ان يكون عام انتهاء الوضع الاحتكاري لقطاع المشتقات النفطية في الأردن. حاليا تحدد
الحكومة مركزيا حصص شركات توزيع النفط وعمولات المحطات وتعويض مقدار التبخر وربح
المصفاة وغرامات تأخير البواخر! وهذا الواقع الحالي هو السبب الرئيس في انعدام
الثقة الشعبية في كل منظومة إدارة وتسعير المشتقات النفطية في الأردن مع ازدياد
وتيرة وحدة الاتهامات الشعبية بوجود منتفعين لهم مصلحة في بقاء الوضع على ما هو
عليه.
لو خضع سوق المشتقات النفطية للتنافس بالكامل بالأردن _عبر السماح لكل محطة محروقات مرخصة بشراء احتياجاتها من المشتقات من المصدر المناسب لها محليا او عالميا وعبر فتح باب الاستثمار في شركات توزيع المشتقات النفطية_ واكتفت الحكومة بالقيام بدور المنظم الضامن لوجود المنافسة الفاعلة الحقيقية في سوق المشتقات النفطية سيحصل الاتي:
· ستحدد الحكومة السقف الاعلى لسعر المشتقات
النفطية كل شهر وتتنافس المحطات فيما بينها على الخدمة و\او على السعر. اي ان
السعر سيختلف من محطة لمحطة ومن موقع لموقع. مع تحديد الحكومة للمواصفات القياسية
لكل مشتق بالإضافة الى الحد الاعلى لسعره.
· لربما سيدفع المستهلكون في العقبة ومعان والكرك
والطفيلة اسعار للبنزين والديزل والكاز اقل من التي سيدفعها اهل عمان والزرقاء
وارب بسبب قربها من ميناء العقبة والحدود السعودية وبسبب رخص عقاراتها نسبيا.
· ستقل الفاتورة النفطية الكلية للاقتصاد الاردني
بسبب المنافسة مع ثبات تحصيل الحكومة الضريبي من المشتقات النفطية.
· ستزيد جودة المشتقات النفطية المتوفرة بالسوق.
احتكارات التقل (طبع التكسي والسرفيس وخطوط الباصات):
قطاع النقل العام الأردني قصة فشل يشار لها بالبنان. الحكومة
تعترف بوجود اكثر من 30 الف سيارة خاصة تعمل بشكل مخالف في نقل الركاب وهو دليل قاطع
على ان نظام اللجان المركزي الحالي في اصدار رخص التكسي وخطوط الباصات فشل تماما
في توقع حجم الطلب وموائمة العرض معه.
يعزى هذا الفشل الكبير تاريخيا الى ان وزارة الداخلية _لا وزارة النقل _ كانت هي مصدر طبع التكسي والسرفيس والباصات بدون وجود نظام شفاف وواضح ومنطقي لهذه الرخص المجانية!
وهنا نسال: كم حجم التركز في سوق طبع التكسي (الأصفر والمطار) وطبع الباصات؟ أي كم شخص يملك اكثر من طبعة واحدة وعددهم وما نسبة ملكيتهم من مجمل الطبع؟ هذا لغز صفير لم تفصح عنه الحكومة رغم كل الاعتصامات التي تحصل بسبب دخول شركات مثل اوبر وكريم السوق. بعد جواب هذا السؤال يجدر التفكير في الأسلوب الافضل للخروج من واقع الاحتكار والتركز الى وضع تنافسي عادل يؤسس لحلول جذرية لمشاكل قطاع النقل العام الأردني.
احتكارات أسواق المنتوجات الزراعية المركزية
في هذا الاحتكار المزارع والعامل مظلومان مقابل المنافع
الاحتكارية. فالمزارع ممنوع من ان يبيع انتاجه خارج الأسواق المركزية التي تأخذ عمولات
ورسوم 10% من مجمل ما يبيع. وهذه النسبة الكبيرة تشكل اكثر من ثلث الربح في احسن الأحوال
وزيادة الخسارة بشكل كبير في أسوأها. وطبعا لا وجود للمنافسة بين الأسواق المركزية
او فتح المجال لأسواق جديدة منافسة او تسخير للتقنيات الحديثة للسماح للمزارعين
بالبيع المباشر لتجار التجزئة في المدن والقرى.
احتكارات النقابات المهنية
تتحكم نقابة المحامين بالحصص السوقية للمحامين وتحدد حدا اعلى لوكالات الشركات لكل محام مع اخذ مبلغ 610 دينار سنويا من كل محام له خمس وكالات شركات. وكذلك يجبر قانونها الشركات على دفع تكاليف وكالات قانونية مع محامين حتى لو لم تحتاج هذه الشركات ان تذهب لأي محكمة طوال تاريخها. أين المنافسة؟ ولماذا السماح لنقابة مهنية بتحصيل جبايات اجبارية من الشركات في الأردن. مع العلم بان القانون يشترط توكيل محامي في كل القضايا التي تصل المحاكم.
اما نقابة المهندسين فهي تحدد حدا ادنى لأجور الخدمات الهندسية ولا تسمح بالمنافسة فيها وكذلك تحدد الحد الأقصى لعمل كل مهندس في التصميم.
فيما تصر نقابة الأطباء على جعل الأطباء تجارا بمنع الاستثمار في المستشفيات الا بشراكة الأطباء. فيما الأنسب ان يفتح المجال لمن يشاء بالاستثمار في القطاع الصحي مع تفعيل الضوابط والبروتوكولات الطبية. أي ان الإدارة الطبية يجب ان تكون للأطباء في المستشفى بدون اشتراط ان يكون الطبيب مساهما في المستشفى او العيادة.
بالإضافة الى تشريع الاحتكارات في قطاعات مفصلية، يشمل نهجنا
في الأردن حرق مئات الملايين من أموال دافعي الضرائب الأردنيين في دعم شركات
بعينها تحت حجج واهية. منها مثلا طيران الملكية الأردنية التي بيعت للقطاع الخاص
قبل حوالي عشر سنوات بعد امتصاص الخزينة الاردنية ديونا متراكمة على الشركة تجاوزت
بليون دينار لتسهيل بيعها وافتراض عدم العودة للدعم الحكومي المكلف. لتعود الحكومة
و "تأممها" عبر ضخ 180 مليون دينار فيها في بين 2015 و2018 لمجابهة
الخسائر الجسيمة. فتكون الخزينة قد تكبدت 1.18 بليون دينار (زادت من مديونية
الأردن بنفس القيمة تقريبا) في قرارات متلاحقة أساسها تقييم خاطئ لأهمية الشركة
يصورها كأنها مرفق حيوي بدونه يشل قطاع النقل الجوي والاقتصاد الاردني! فيما
النظرة الموضوعية تؤكد أن الحكومة والخزينة العامة ليست "مجبورة" على دعم
الشركة باي شكل. فمطار الملكة علياء الدولي _لا الملكية الأردنية_ هو المرفق الأهم
الذي يشكل حجر الأساس في قطاع النقل الجوي. فيما باقي الشركات لها بديل متوفر او
يمكن توفيره بسهولة. بدلا من ضخ 90 مليون دينار في 2017 و 2018 الأفضل للحكومة ان
تتركها وشانها كشركة خاصة تتنافس مع غيرها على أسس تجارية مع كامل الحرية في اتخاذ
كافة القرارات المهمة والصعبة بدون تدخلات حكومية وتعيينات حكومية واستراتيجيات
حكومية.
الخروج من "عنق الزجاجة" لا يأتي لا بالتمني ولا بزيادة الضرائب ولا بقرارات احتكارية جديدة. ما نحتاجه حقا هو ان نفك قيود الاقتصاد بان نكسر ونمنع الاحتكار أينما وجد وننهي نهج الدعم الحكومي لشركات خاسرة تحت حجج ومبررات واهية. ان ضمان وجود منافسة عادلة فعالة في كل القطاعات الاقتصادية هو النهج الذي ينبغي علينا التزامه. وهذا يتطلب وقفة مراجعة لكل القوانين الناظمة للاقتصاد والمؤثرة فيه وإلغاء كافة النصوص القانونية والقرارات الحكومية الداعمة للاحتكارات.
فهل تكون 2018 سنة الإنقاذ؟
ليست هناك تعليقات