نشر في الغد في 19 ايلول 2019 مع تراجع مستوى وكفاءة التعليم الحكومي في الأردن باتت المدارس الخاصة في الأردن خيارا _ربما يكون...
نشر في الغد في 19 ايلول 2019
مع تراجع مستوى وكفاءة التعليم الحكومي في الأردن باتت المدارس الخاصة في
الأردن خيارا _ربما يكون خيارا وحيدا_ لكثير من العائلات. فالتعليم الجيد يبقى
المساوي الأكبر وكل عائلة ستحاول ان توفر لأبنائها أفضل فرص تعليمية تقدر عليها
ماديا.
تراجع مستوى التعليم الحكومي مؤكد وقاس: حيث تبلغ نسبة نجاح التوجيهي في
مدارس الحكومة 41% مقابل 91% لطلاب
المدارس الخاصة. للأسف لا شفافية من الوزارة في هذه المسائل بل يضطر الباحث الى
استنباط نسب النجح من عدة مؤشرات في عدة مواقع. وفيما يخص نسبة نجاح التوجيهي في
مدارس الحكومة أخشى ان تكون نسبة 41% الاجمالية تغطي على مفارقة كبيرة بين نسب
النجاح في مدارس الاناث مقابل مدارس الذكور. فقد تكون مثلا 60% عند البنات مقابل
20% عند الذكور. فهل تفصح الوزارة عن هذه التفاصيل؟
في 2018 وصل عدد المدارس الخاصة في الأردن الى 3211 مدرسة تشكل 46% من مجمل
عدد المدارس. يدرس في المدارس الخاصة 534 الف طالب وطالبة مشكلين 28% من اجمالي
عدد الطلاب ويعمل فيها حوالي أربعين الف معلم ومعلمة بنسبة 32% من اجمالي عدد
المعلمين. معدل طلاب كل مدرسة خاصة يبلغ 167 طالب ومعدل عدد الطلاب في كل صف 20
طالب بمعدل 13 معلم ومعلمة لكل مدرسة. وتشير ارقام الوزارة ان حوالي نصف المدارس
الخاصة تستخدم مباني مستأجرة. أي ان معظم المدارس الخاصة مدارس صغيرة جدا.
مع اختيار ما يقارب الربع مليون عائلة في الأردن لخيار التعليم الخاص صارت كلفة
التعليم موضوعا مؤرقا للغاية في ظل التباطؤ الاقتصادي المزمن. ويطالب كثير من
الأهالي ان تتدخل وزارة التربية والتعليم وتكبح جماح كلفة التعليم الخاص. لنلاحظ هنا ان الواقع الصعب دفع كثير من الناس لان
يطلبوا من نفس الجهاز البيروقراطي الذي اساء إدارة التعليم الحكومي ان يزيد من
تدخله في التعليم الخاص. هل يتوقعون نتائج أفضل؟
في موضوع أقساط المدارس وكلفة التعليم لا بد من تحليل موضوعي متجرد.
والبداية هنا من تأكيد انه لا يوجد تعليم بلا كلفة. في التعليم الحكومي يتحمل دافع
الضرائب كلفة التعليم بمعدل حوالي 680 دينار سنويا عن كل طالب حيث بلغت ميزانية
وزارة التربية والتعليم 980 مليون دينار في 2019. بينما يتحمل ولي الامر كلفة
تعليم أبنائه في المدارس الخاصة.
في كلفة التعليم الخاص لنأخذ مثالا نظريا من واقع الأرقام المعلنة. مدرسة صغيرة
خارج عمان في بلدة متوسطة الحجم. عدد طلابها 200 طالب (اعلى من المعدل العام) وعدد
معلميها 13 معلمة (اقل من المعدل) ومع اربعة من الموظفين (حارس عاملة نظافة محاسب
ومدير). بمجموع 17 موظف. على فرض معدل راتب شهري لكل موظف 250 دينار فقط تكون كلفة
الرواتب سنويا حوالي 59 الف دينار مع كلفة الضمان. وعلى فرض كلفة كهرباء وماء
وتدفئة وايجار مدرسة وكافة المصاريف الأخرى بحوالي 30 الف دينار فقط سنويا تكون
الكلفة الاجمالية حوالي 89 الف دينار سنويا. لتغطية الكلفة يجب ان يكون معدل أقساط
الطالب فيها 438 دينار. على فرض هامش ربح
لمالكي المدرسة بنسبة 25% سيتجاوز معدل القسط السنوي للطالب 545 دينار. ولربما
يفسر هذا مشاكل ضعف رواتب المعلمات في المدارس الخاصة الصغيرة في البلدات الصغيرة
في المحافظات. فالقسط لا يمكن ان يكون عاليا والا لما سجل فيها الطلبة وبنفس الوقت
المدرسة صغيرة جدا ولا يوجد فيها اقتصاديات الحجم الكبير.
ماذا لو كانت مدرسة كبيرة في مدينة كبيرة كالزرقاء بعدد طلاب 1200؟ عدد
المعلمين 70معلما منهم الخبير صاحب الراتب العالي نسبيا. مع 40 موظف (عمال نظافة وحراس وسائقين ومحاسبين وإدارة). على فرض معدل راتب
شهري 550 دينار تكون كلفة الرواتب سنويا حوالي 831 الف دينار.
وعلى فرض كلفة كهرباء وماء وتدفئة وايجار مدرسة وكافة المصاريف الأخرى بحوالي 310
الف تصل الكلفة الاجمالية الى مليون و 141 الف دينار
سنويا. لتغطية الكلفة فقط يجب ان يكون معدل أقساط الطالب فيها 951 دينار. اضف هامش ربح بنسبة 15% سيصل القسط
السنوي للطالب الى 1093 دينار. وهذا
معدل لجميع الطلاب من الصف الأول للتوجيهي.
في المقابل هناك مدارس عديدة _خصوصا في عمان الغربية_ بمعدل أقساط عال جدا
يتجاوز الستة الاف دينار تدر أرباحا وفيرة لمالكيها. والبعض سيشير الى ان أسعار
عقارات واراضي بعض هذه المدارس يتجاوز العشرة ملايين دينار. وبما ان سعر عقارها
مرتفع فتزيد معه تكلفة الفرصة الضائعة لمالكها. فما الربح المنطقي لمالك عقار
يتجاوز سعره السوقي عشرة ملايين دينار مثلا؟
لا خلاف اذن ان المدارس الخاصة تختلف كلفها كثيرا بحسب موقعها الجغرافي. ولا
خلاف ان من نجحت منها في خلق سمعة طيبة عن مستواها ونتائج طلابها وعنوانها قريب من
تركز الطبقة الغنية في عمان تحقق لمساهميها أرباحا وفيرة لقدرتها على وضع أقساط
عالية بهامش ربح كبير. ولا خلاف أيضا ان بعض المدارس تخالف قوانين العمل والضمان
الاجتماعي. لكن في ذات الوقت نعرف عن كثير من المدارس ملتزمة بكل القوانين وتدفع
رواتب جيدة وتعطي أبناء العاملين فيها خصومات سخية تصل الى 50% او اكثر من
الأقساط.
وهنا يأتي التساؤل: ما السبيل الى ضمان العدالة لجميع الأطراف في التعليم
الخاص؟ وما دور الوزارة والحكومة. في حكومة سابقة بدا الحديث عن تصنيف للمدارس
تحدد فيه الحكومة السقف الأعلى للأقساط والحد الأدنى لرواتب المعلمين بحسب تصنيف
كل مدرسة. المشكلة في هذا الطرح هو افتراض ان بيروقراطية وزارة التربية والتعليم
التي قادت قطاع التعليم الحكومي الى حالة صعبة قادرة على إدارة ملف المدارس الخاصة
بطريقة أفضل من المنافسة الحقيقية وضمان ديمومة
المنافسة.
الأنسب لربما يكون في ان توفر الحكومة او دائرة الإحصاءات او نقابة
المعلمين او حتى نقابة مالكي المدارس الخاصة معلومات وافية عن كل مدارس الأردن بحيث
تساعد أهالي الطلبة على اختيار مدارس أبنائهم وتساهم بضمان استمرار المنافسة بين كل
المدارس في تقديم الخدمة الأفضل بالسعر المناسب.
وتكون هذه المعلومات الإحصائية عن كل المدارس متوفرة على الانترنت لمن
يطلبها تشمل مثلا:
-
نسب نجاح طلاب
المدرسة في الامتحانات المختلفة
-
مجموع رواتب
معلميها و مجموع رواتب موظفيها والوسيط والمعدل للرواتب
-
أقساط كل مدرسة
لكل صف ونسب الطلاب الحاصلين على خصومات وبعثات. والمعدل الفعلي العام للأقساط في
المدرسة.
فالمنافسة أفضل من التدخل الحكومي في تحديد أقساط المدارس. حيث ان تحديد
الأقساط بطريقة مركزية اعتباطية قد يقلل من المنافسة عبر تثبيط الرغبة في انشاء
مدارس جديدة.
وقد يكون المطلوب أيضا ان تتدخل الوزارة في تحديد الزيادة السنوية في
الأقساط للطلاب القدامى بحد اقصى يكون نسب التضخم الرسمية بحيث تحمي أولياء امور
الطلبة القديمين من زيادات غير متوقعه تتجاوز نسب التضخم. مع عدم التدخل في تحديد أقساط
الطلبة المستجدين وجعله خاضع المنافسة والخيار الحر للأهل والمدرسة. هذا يضمن عدالة الزيادة السنوية للمدرسة وللعائلات وكذلك عدم حرمان
المدرسة من جني نتائج نجاحها وسمعتها بزيادة الرسوم بنسب التضخم للطلبة القدامى
وبحسب وضعها التنافسي للطلبة المستجدين.
وفي المدن المكتظة التي تواجه اكتظاظا في المدارس الحكومية وندرة في بعض
الاحياء يجب الاستثمار في مدارس حكومية جديدة تساهم في زيادة الخيارات المتوفرة
للطلبة واهلهم. وربما يكون عبر أسلوب الشراكة بين القطاع العام والخاص.
أخيرا نستفيد كلنا من تشجيع مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات لإنشاء مؤسسات
تعليمية غير هادفة للربح تنشئ المزيد من المدارس الأهلية غير الربحية مع خضوعها
لنفس القوانين التي تحكم المدارس الخاصة لضمان المنافسة العادلة. وتركيز الحكومة
على التزام كل المدارس بقوانين العمل والضمان الاجتماعي والضريبة.
ليست هناك تعليقات