البنك المركزي والضمان الاجتماعي والحكومة والقطار! نشر في الغد يوم 7 حزيران 2020 الاقتصاد الأردني كان بوضع لا يحسد عليه قبل ا...
البنك المركزي والضمان الاجتماعي والحكومة والقطار!
نشر في الغد يوم 7 حزيران 2020
الاقتصاد الأردني كان بوضع لا يحسد عليه قبل الازمة الحالية. فالبطالة وصلت
نسب قياسية وشهدنا نموا ضئيلا جدا في التوظيف في 2018 و2019. كذلك لم توفق الحكومة
في معالجة مشكلة البطالة الإضافية بسبب كورونا كونها لم تتحمل مسؤولياتها كاملة بل
تنصلت من كثير منها عندما جمدت بنودا مهمة من قانوني العمل والضمان وحملت جل العبء
على العمال أصحاب العمل معا.
المعالجة الجذرية لملف البطالة في فترة انكماش اقتصادي يجب ان تشمل مشاريع
البنية التحتية الكبيرة التي تخلق فرص عمل كثيرة جديدة وتزيد من حجم الاستثمار في
الاقتصاد وتساهم في رفع فعالية الاقتصاد وكفاءته وتنافسيته. على راسها انشاء سكة
الحديد بين العقبة وعمان والزرقاء لنقل البضائع والنفط. بالإضافة لمشاريع بنيه
تحتية كالسدود الترابية في البادية لتدعم تطوير الثروة الحيوانية والزراعات
المختلفة.
سيكون تمويل مشاريع البنية التحتية المهمة ممكنا عبر تيسير كمي جديد يقوم
به المركزي عبر مؤسسة الضمان الاجتماعي لاحقا للتيسير الكمي الذي حصل عبر الشركة الأردنية
لضمان القروض في نيسان 2020. بحيث تكون النتيجة تدعيم مركز الضمان الاجتماعي المالي
لتقوم المؤسسة بالالتزام بقانونها فيما يخص توفير حماية التعطل عن العمل للمشتركين
بالضمان الاجتماعي بحسب صريح مواد القانون.
تفصيلا يقدم البنك المركزي مثلا 500 مليون دينار لمؤسسة الضمان الاجتماعي
لتقوم هي بدورها بشراء سندات حكومية لمدة 10 سنوات بفائدة سنوية من 4 الى 5 %. مع
اشتراط ان تستخدم الحكومة هذه الأموال حصرا في تمويل مشاريع بنية تحتية مهمة كثير
من مدخلاتها محلية اردنية.
بهذا التيسير الكمي ستزداد أصول الضمان الاجتماعي بنصف مليار دينار مع زيادة ايرادات المؤسسة بحوالي 25 مليون دينار سنويا. وبهذا يكون الضمان الاجتماعي جاهزا لتحمل مسؤولياته كافة بحسب قانونه فيما يخص تامين التعطل عن العمل وأيضا موجة التقاعدات الجديدة المتوقعة مع انخفاض قدرة القطاع الخاص حاليا على خلق فرص عمل جديدة.
بذات الوقت ستحصل الحكومة على نصف مليار دينار لتستثمره في مشاريع بنية
تحتية مهمة جدا لمستقبل الاقتصاد الأردني. ولان الحكومة ستحتاج ان تخدم هذا الدين
الجديد عليها فان التيسير الكمي هذا لا يعني نقودا مجانية بيد الحكومة. ولان هذه الأموال
ستصرف حصرا في مشاريع بنية تحتية مهمة تستخدم أساسا مواردا وعمالة محلية فلن يؤثر هذا
الانفاق كثيرا على مستوى احتياطيات العملة الصعبة. ومع الانكماش الاقتصادي الحالي
بسبب جائحة الكورونا فان الاقتصاد الأردني على الاغلب لن يواجه ضغوطا تضخمية على المدى
القصير او المتوسط ولن نرى _على الاغلب _ زيادة كبيرة في التضخم. وفي حالة نجاح الأردن
في تأجيل خدمة كل او بعض الديون الخارجية في 2020 و2021 فان وضع الاحتياطي الأجنبي
سيكون أكثر راحة وربما يسمح بتيسير كمي اخر لاحق.
سأركز هنا على موضوع سكة الحديد بين العقبة وعمان والزرقاء حيث الاجماع العالمي
على ان النقل عبر القطار أكثر كفاءة للمسافات البعيدة من النقل عبر الشاحنات. مثلا
لا تتجاوز كلفة الوقود المستخدم لكل طن بضائع في القطار 10% او 20% من كلفة الوقود
لنقل طن بضائع بالشاحنات. مع إمكانية استخدام الطاقة الكهربائية للقطار بحيث تكون
فرصة لاستغلال فائض القدرة التوليدية للكهرباء في الأردن من مصادر متجددة خضراء او
تقليدية.
كذلك فان الكلف الاقتصادية الخارجية للنقل عبر الشاحنات (مثلا كلفة التلوث
او كلفة صيانة الطريق الصحراوي) تشكل اضعاف الكلف الاقتصادية الخارجية للنقل عبر
القطار. فالحكومة تتكلف عشرات الملايين سنويا لصيانة الطريق الصحراوي بسبب نقل كل بضائع
ميناء العقبة عليه. ناهيك عن الخسائر البشرية في حوادث السير وكلفة التلوث على صحة
الاردنيين. وتزداد جاذبية النقل بالقطار في السياق الأردني مع وجود ميناء وحيد
تعبر عن طريقه 90% من مستوردات البلد (ومن ضمنها المشتقات النفطية) فيما يتركز 80%
من سكان الأردن في عمان والزرقاء واربد بالإضافة لوجود حرم سكة الحديد جاهزا لمعظم
المسافة.
تقديرا يكلف كل كيلومتر طولي من سكة الحديد حوالي 700 ألف دينار ويحتاج كثيرا
من المدخلات المحلية من اسمنت ومواد وعمالة. فيحتاج انشاء 400 كم من سكة الحديد لتصل
ما بين العقبة وعمان والزرقاء واربد _وترتبط أيضا مع منظومة سكك الحديد في السعودية
والخليج_ الى حوالي 280 مليون دينار ستخلق فرص عمل عديدة وطلب على مدخلات محلية
الصنع تحرك الاقتصاد.
بعد انشاء السكة يجب على الحكومة ضمان التنافس في النقل عبر سكك الحديد عن
طريق عطاء تنافسي شفاف مفتوح لكل مشغلي القطارات في العالم ليقدموا عروضهم
لاستغلال السكة الجديدة. ويتم الترخيص لمشغلين اثنين على الأقل او أكثر لقطارات
نقل البضائع لكي يستخدموا السكة مقابل اجور استخدام سنوية عادلة وفي ذات الوقت يتنافسون
فيما بينهم على الأسعار والخدمة. ويكون لهم الحق أيضا في تقديم خدمة نقل المسافرين
ان راوا جدوى اقتصادية فيها. وتكون مسؤولية شراء القطارات وتشغيلها على الشركات
الفائزة في العطاء لا الحكومة. وهو مثل النموذج البريطاني الذي تملك فيه الحكومة
معظم السكك فيما يتنافس المشغلون على تقديم الخدمة فوق سكة الحديد.
بهذا نستقطب استثمارات جديدة كبيرة في النقل عبر سكك الحديد ونزيد من كفاءة
الاقتصاد وتنافسية تجارتنا وصناعتنا. مع الإشارة الى ان اسطول النقل البري سيستمر في
العمل لكن مع تغيير لطبيعة عمله فيستخدم أساسا لنقل البضائع داخل المحافظات من محطات
القطار في كل محافظة مع التنافس أيضا مع القطارات من ناحية مرونة الجداول مثلا.
في ظروف جائحة مثل كورونا فان النقل عبر سكك الحديد له فائدة صحية أيضا. فوجود
سكة حديد ليس مطلب اقتصادي بحت بل أصبح أيضا جزء من منظومة الامن الصحي المجتمعي لأنه
يقلل من عدد الشاحنات والسائقين الأجانب العابرين للحدود.
في سنة 2020 والتي ستتوقف فيها معظم المقبوضات السياحية والتي تجاوزت أربع مليارات دولار
في 2019، على الحكومة المضي قدما في التحفيز المالي بدون أي تأجيل. لا يكفي الحفاظ
على مستوى الانفاق في الموازنة حتى مع اجراء مناقلات فيها. نحتاج التحفيز المالي السريع
عبر مشاريع تنموية تزيد من كفاءة الاقتصاد وتنافسيته.
ليست هناك تعليقات